الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب سجدة إذا السماء انشقت) أورد فيه حديث أبي هريرة في السجود فيها. وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير. وقوله فسجد بها في رواية الكشميهني فيها والباء للظرف. وقول أبي سلمة لم أرك تسجد قيل هو استفهام إنكار من أبي سلمة يشعر بأن العمل استمر على خلاف ذلك ولذلك أنكره أبو رافع كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب، وهذا فيه نظر، وعلى التنزل فيمكن أن يتمسك به من لا يرى السجود بها في الصلاة، أما تركها مطلقا فلا. ويدل على بطلان المدعي أن أبا سلمة وأبا رافع لم ينازعا أبا هريرة بعد أن أعلمهما بالسنة في هذه المسألة ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك. قال ابن عبد البر: وأي عمل يدعي مع مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده؟ . *3* وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ وَهُوَ غُلَامٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَا فِيهَا الشرح: قوله: (باب من سجد سجود القارئ) قال ابن بطال: أجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد كذا أطلق، وسيأتي بعد باب قول من جعل ذلك مشروطا بقصد الاستماع. وفي الترجمة إشارة إلى أن القارئ إذا لم يسجد لم يسجد السامع. ويتأيد بما سأذكره. قوله: (وقال ابن مسعود لتميم بن حذلم) بفتح المهملة واللام بينهما معجمة ساكنة. قوله: (إمامنا) زاد الحموي " فيها " وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور من رواية مغيرة عن إبراهيم قال: قال تميم بن حذلم: قرأت القرآن على عبد الله وأنا غلام، فمررت بسجدة فقال عبد الله: أنت إمامنا فيها. وقد روى مرفوعا أخرجه ابن أبي شيبة من رواية ابن عجلان عن زيد بن أسلم، أن غلاما قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة، فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد، فلما لم يسجد قال: يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود؟ قال: " بلى، ولكنك كنت إمامنا فيها، ولو سجدت لسجدنا " رجاله ثقات إلا أنه مرسل. وقد روى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: بلغني، فذكر نحوه. أخرجه البيهقي من رواية ابن وهب عن هشام بن سعد وحفص بن ميسرة معا عن زيد بن أسلم به. وجوز الشافعي أن يكون القارئ المذكور هو زيد بن ثابت، لأنه يحكي أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد، ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين. انتهى. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ الشرح: قوله: (حدثنا يحيى) هو القطان، وسيأتي الكلام على المتن في الباب الأخير. *3* الشرح: قوله: (باب ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة) أي لضيق المكان وكثرة الساجدين. الحديث: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ الشرح: قوله: (حدثنا بشر بن آدم) هو الضرير البغدادي، بصري الأصل، ليس له في البخاري إلا هذا الموضع الواحد. وفي طبقته بشر بن آدم بن يزيد بصري أيضا وهو ابن بنت أزهر السمان، وفي كل منهما مقال. ورجح ابن عدي أن شيخ البخاري هنا هو ابن بنت أزهر، وعلى كل تقدير فلم يخرج له إلا في المتابعات، فسيأتي من طريق أخرى بعد باب ويأتي الكلام عليه. ووافقه على هذه الرواية عن علي بن مسهر سويد بن سعيد، أخرجه الإسماعيلي. *3* وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا كَأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ سَلْمَانُ مَا لِهَذَا غَدَوْنَا وَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَهَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يَسْجُدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ فِي حَضَرٍ فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا فَلَا عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْقَاصِّ الشرح: قوله: (باب من رأى أن الله لم يوجب السجود) أي وحمل الأمر في قوله اسجدوا على الندب أو على أن المراد به سجود الصلاة أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب وفي سجود التلاوة على الندب، على قاعدة الشافعي ومن تابعه في حمل المشترك على معنييه. ومن الأدلة على أن سجود التلاوة ليس بواجب ما أشار إليه الطحاوي من أن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر ومنها ما هو بصيغة الأمر، وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل فيها سجود أو لا، وهي ثانية الحج وخاتمة النجم واقرأ، فلو كان سجود التلاوة واجبا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر. قوله: (وقيل لعمران بن حصين) وصله ابن أبي شيبة بمعناه من طريق مطرف قال " سألت عمران ابن حصين عن الرجل لا يدري أسمع السجدة أو لا؟ فقال: وسمعها أو لا فماذا؟". وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن مطرف " أن عمران مر بقاص فقرأ القاص السجدة فمضى عمران ولم يسجد معه". إسنادهما صحيح. قوله: (وقال سلمان) هو الفارسي. قوله: (ما لهذا غدونا) هو طرف من أثر وصله عبد الرزاق من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال " مر سلمان على قوم قعود، فقرؤوا السجدة فسجدوا، فقيل له، فقال: ليس لهذا غدونا " وإسناده صحيح. قوله: (وقال عثمان: إنما السجدة على من استمعها) وصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب " أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان، فقال عثمان: إنما السجود على من استمع، ثم مضى ولم يسجد " ورواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب بلفظ " إنما السجدة على من سمعها " مختصرا، وروى ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب قال: قال عثمان " إنما السجدة على من جلس لها واستمع " والطريقان صحيحان. قوله: (وقال الزهري الخ) وصله عبد الله بن وهب عن يونس عنه بتمامه، وقوله فيه " لا يسجد إلا أن يكون طاهرا " قيل ليس بدال على عدم الوجوب، لأن المدعي يقول: علق فعل السجود من القارئ والسامع على شرط وهو وجود الطهارة، فحيث وجد الشرط لزم؛ لكن موضع الترجمة من هذا الأثر قوله " فإن كنت راكبا فلا عليك حيث كان وجهك " لأن هذا دليل النفل، والواجب لا يؤدى على الدابة في الأمن. قوله: (وكان السائب بن يزيد لا يسجد لسجود القاص) بالصاد المهملة الثقيلة: الذي يقص على الناس الأخبار والمواعظ، ولم أقف على هذا الأثر موصولا. ومناسبة هذه الآثار للترجمة ظاهرة، لأن الذين يزعمون أن سجود التلاوة واجب لم يفرقوا بين قارئ ومستمع، قال صاحب الهداية من الحنفية: السجدة في هذه المواضع - أي مواضع سجود التلاوة - سوى ثانية الحج واجبة على التالي والسامع، سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد ا ه. وفرق بعض العلماء بين السامع والمستمع بما دلت عليه هذه الآثار. وقال الشافعي في البويطي: لا أؤكده على السامع كما أؤكده على المستمع. وأقوى الأدلة على نفي الوجوب حديث عمر المذكور في هذا الباب صلى الله عليه وسلم. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَادَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ الشرح: قوله: (أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة) هو أخو محمد صلى الله عليه وسلم، وعثمان بن عبد الرحمن التيمي وثقه أبو حاتم، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، ولأبيه صحبة ورواية، وهو ابن عثمان بن عبيد الله ابن أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة، وربيعة بن عبد الله بن الهدير هو عم أبي بكر بن المنذر بن عبد الله ابن الهدير الراوي عنه، والهدير بلفظ التصغير، ذكر ابن سعد أن ربيعة ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له أيضا في البخاري غير هذا الحديث الواحد. قوله: (عما حضر ربيعة من عمر) متعلق بقوله " أخبرني " أي أخبرني راويا عن عثمان عن ربيعة عن قصة حضوره مجلس عمر. ووقع عند الإسماعيلي من طريق حجاج عن ابن جريج " أخبرني أبو بكر ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخبره عن ربيعة بن عبد الله أنه حضر عمر " فذكره ا ه. وقوله "عبد الرحمن بن عثمان " مقلوب والصواب ما تقدم، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج. قوله: (قرأ) أي أنه قرأ يوم الجمعة. قوله: (إنا نمر بالسجود) في رواية الكشميهني " إنما". قوله: (ومن لم يسجد فلا أثم عليه) ظاهر في عدم الوجوب قوله: (ولم يسجد عمر) فيه توكيد لبيان جواز ترك السجود بغير ضرورة. قوله: (وزاد نافع) هو مقول ابن جريج، والخبر متصل بالإسناد الأول، وقد بين ذلك عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج " أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة " فذكره وقال في آخره " قال ابن جريج: وزادني نافع عن ابن عمر أنه قال: لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء " وكذلك رواه الإسماعيلي والبيهقي وغيرهما من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج فذكر الإسناد الأول، قال وقال حجاج قال ابن جريج وزاد نافع فذكره، وفي هذا رد على الحميدي في زعمه أن هذا معلق، وكذا علم عليه المزي علامة التعليق، وهو وهم، وله شاهد من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عمر لكنه منقطع بين عروة وعمر. (تنبيه) : قوله في رواية عبد الرزاق " أنه قال " الضمير يعود على عمر، أشار إلى ذلك الترمذي في جامعه حيث نسب ذلك إلى عمر في هذه القصة بصيغة الجزم، واستدل بقوله " لم يفرض " على عدم وجوب سجود التلاوة، وأجاب بعض الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب. وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث، وما كان الصحابة يفرقون بينهما، ويغني عن هذا قول عمر " ومن لم يسجد فلا إثم عليه " كما سيأتي تقريره. واستدل بقوله " إلا أن نشاء " على أن المرء مخير في السجود فيكون ليس بواجب. وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فيجب ولا يخفى بعده، ويرده تصريح عمر بقوله " ومن لم يسجد فلا إثم عليه " فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارا يدل على عدم وجوبه، استدل به على أن من شرع في السجود وجب عليه إتمامه، وأجيب بأنه استثناء منقطع، والمعنى لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل إطلاقه " ومن لم يسجد فلا إثم عليه " وفي الحديث من الفوائد أن للخطيب أن يقرأ القرآن في الخطبة، وأنه إذا مر بآية ينزل إلى الأرض ليسجد بها إذا لم يتمكن من السجود فوق المنبر، وأن ذلك لا يقطع الخطبة. ووجه ذلك فعل عمر حضور الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم، وعن مالك يمر في خطبته ولا يسجد، وهذا الأثر وارد عليه. *3* الشرح: قوله: (باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها) أشار بهذه الترجمة إلى من كره قراءة السجدة في الصلاة المفروضة، وهو منقول عن مالك، وعنه كراهته في السرية دون الجهرية وهو قول بعض الحنفية أيضا وغيرهم، وحديث أبي هريرة المحتج به في الباب تقدم الكلام عليه في " باب الجهر في العشاء " وبينا فيه أن في رواية أبي الأشعث عن معمر التصريح بأن سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها كان داخل الصلاة، وكذا في رواية يزيد بن هارون عن سليمان التيمي في صحيح أبي عوانة وغيره، وفيه حجة على من كره ذلك. وقد تقدم النقل عمن زعم أنه لا سجود في الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ قَالَ سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ الشرح: قوله: (حدثني بكر) هو ابن عبد الله المزني. *3* الشرح: قوله: (باب من لم يجد موضعا للسجود مع الإمام من الزحام) أي ماذا يفعل. قال ابن بطال: لم أجد هذه المسالة إلا في سجود الفريضة، واختلف السلف، فقال عمر: يسجد على ظهر أخيه وبه قال الكوفيون وأحمد وإسحاق. وقال عطاء والزهري: يؤخر حتى يرفعوا وبه قال مالك والجمهور، وإذا كان هذا في سجود الفريضة فيجرى مثله في سجود التلاوة، وظاهر صنيع البخاري أنه يذهب إلى أنه يسجد بقدر استطاعته ولو على ظهر أخيه. الحديث: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ الشرح: قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة) زاد على بن مسهر في روايته عن عبيد الله " ونحن عنده " وقد مضى قبل بباب. قوله: (فيسجد فنسجد) زاد الكشميهني " معه". قوله: (لموضع جبهته) يعني من الزحام، زاد مسلم في رواية له " في غير وقت صلاة " ولم يذكر ابن عمر ما كانوا يصنعون حينئذ، ولذلك وقع الاختلاف كما مضى، ووقع في الطبراني من طريق مصعب ابن ثابت عن نافع في هذا الحديث أن ذلك كان بمكة لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم، وزاد فيه " حتى سجد الرجل على ظهر الرجل " وهو يؤيد ما فهمناه عن المصنف. والذي يظهر أن هذا الكلام وقع من ابن عمر على سبيل المبالغة في أنه لم يبق أحد إلا سجد، وسياق حديث الباب مشعر بأن ذلك وقع مرارا، فيحتمل أن تكون رواية الطبراني بينت مبدأ ذلك، ويؤيده ما رواه الطبراني أيضا من رواية المسور بن مخرمة عن أبيه قال " أظهر أهل مكة الإسلام يعني في أول الأمر - حتى إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقرأ السجدة فيسجد وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام، حتى قدم رؤساء أهل مكة وكانوا بالطائف فرجعوهم الإسلام " واستدل به البخاري على السجود لسجود القارئ كما مضى وعلى الازدحام على ذلك. (خاتمة) اشتملت أبواب السجود على خمسة عشر حديثا، اثنان منها معلقان، المكرر منها فيه وفيما مضى تسعة أحاديث، والخالص ستة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديثي ابن عباس في "ص" وفي النجم، وحديث عمر في التخيير في السجود. وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم سبعة آثار، والله أعلم بالصواب. الحديث: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ الشرح: قوله: (أبواب التقصير) ثبتت هذه الترجمة للمستملى. وفي رواية أبي الوقت " أبواب تقصير الصلاة"، وثبتت البسملة في رواية كريمة والأصيلي. *3* الشرح: قوله: (باب ما جاء في التقصير) تقول: قصرت الصلاة بفتحتين مخففا قصرا، وقصرتها بالتشديد تقصيرا، وأقصرتها إقصارا، والأول أشهر في الاستعمال. والمراد به تخفيف الرباعية إلى ركعتين. ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن لا تقصير في صلاة الصبح ولا في صلاة المغرب. وقال النووي: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح. وذهب بعض السلف إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر، وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد، وبعضهم كونه سفر طاعة، وعن أبي حنيفة والثوري في كل سفر سواء كان طاعة أو معصية. قوله: (وكم يقيم حتى يقصر) في هذه الترجمة إشكال لأن الإقامة ليست سببا للقصر، ولا القصر غاية للإقامة، قاله الكرماني وأجاب بأن عدد الأيام المذكورة سبب لمعرفة جواز القصر فيها ومنع الزيادة عليها، وأجاب غيره بأن المعنى وكم أقامته المغياة بالقصر؟ وحاصله كم يقيم مقصر؟ وقيل المراد كم يقصر حتى يقيم؟ أي حتى يسمى مقيما فانقلب اللفظ، أو حتى هنا بمعنى حين أي كم يقيم حين يقصر؟ وقيل فاعل يقيم هو المسافر، والمراد إقامته في بلد ما غايتها التي إذا حصلت يقصر. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا الشرح: قوله: (عن عاصم) هو ابن سليمان، وحصين بالضم هو ابن عبد الرحمن. قوله: (تسعة عشر) أي يوما بليلته، زاد في المغازي من وجه آخر عن عاصم وحده " بمكة"، وكذا رواه ابن المنذر من طريق عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة، وأخرجه أبو داود من هذا الوجه بلفظ " سبعة عشر " بتقديم السين، وكذا أخرجه من طريق حفص بن غياث عن عاصم قال وقال عباد ابن منصور عن عكرمة " تسع عشرة " كذا ذكرها معلقة، وقد وصلها البيهقي. ولأبي داود أيضا من حديث عمران بن حصين " غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين " وله من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس " أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمسة عشر يقصر الصلاة " وجمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عد يومي الدخول والخروج، ومن قال سبع عشرة حذفهما، ومن قال ثماني عشرة عد أحدهما. وأما رواية " خمسة عشر " فضعفها النووي في الخلاصة، وليس يجيد لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي من رواية عراك مالك عن عبيد الله كذلك، وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر فحذف منها يومي الدخول والخروج فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية تسعة عشر أرجح الروايات، وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه، ويرجحها أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة، وأخذ الثوري وأهل الكوفة برواية خمسة عشر لكونها أقل ما ورد، فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقا. وأخذ الشافعي بحديث عمران بن حصين لكن محله عنده فيمن لم يزمع الإقامة، فإنه إذا مضت عليه المدة المذكورة وجب عليه الإتمام، فإن أزمع الإقامة في أول الحال على أربعة أيام أتم، على خلاف بين أصحابه في دخول يومي الدخول والخروج فيها أو لا، وحجته حديث أنس الذي يليه.
قوله: (فنحن إذا سافرنا تسع عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا) ظاهره أن السفر إذا زاد على تسعة عشر لزم الإتمام وليس ذلك المراد، وقد صرح أبو يعلى عن شيبان عن أبي عوانة في هذا الحديث بالمراد ولفظه " إذا سافرنا فأقمنا في موضع تسعة عشر " ويؤيده صدر الحديث وهو قوله " أقام " وللترمذي من وجه آخر عن عاصم " فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعا". قوله في حديث أنس " خرجنا من المدينة " في رواية شعبة عن يحيى بن أبي إسحاق عند مسلم " إلى الحج". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قُلْتُ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا قَالَ أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا الشرح: قوله: (فكان يصلي ركعتين ركعتين) في رواية البيهقي من طريق علي بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس " إلا في المغرب". قوله: (أقمنا بها عشرا) لا يعارض ذلك حديث ابن عباس المذكور، لأن حديث ابن عباس كان في فتح مكة وحديث أنس في حجة الوداع، وسيأتي بعد باب من حديث ابن عباس " قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة " الحديث، ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الإقامة بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس، وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى، ومن ثم قال الشافعي: إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام. وقال أحمد: إحدى وعشرين صلاة. وأما قول ابن رشيد: أراد البخاري أن يبين أن حديث أنس داخل في حديث ابن عباس لأن إقامة عشر داخل في إقامة تسع عشرة - فأشار بذلك إلى أن الأخذ بالزائد متعين - ففيه نظر لأن ذلك إنما يجيء على اتحاد القصتين، والحق أنهما مختلفان، فالمدة التي في حديث ابن عباس يسوغ الاستدلال بها على من لم ينو الإقامة بل كان مترددا متى يتهيأ له فراغ حاجته يرحل، والمدة التي في حديث ابن أنس يستدل بها على من نوى الإقامة لأنه صلى الله عليه وسلم في أيام الحج كان جازما بالإقامة تلك المدة، ووجه الدلالة. حديث ابن عباس لما كان الأصل في المقيم الإتمام فلما لم يجيء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام في حال السفر أكثر من تلك المدة جعلها غاية للقصر، وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال كثيرة كما سيأتي، وفيه أن الإقامة في أثناء السفر تسمى إقامة، وإطلاق اسم البلد على ما جاورها وقرب منها لأن منى وعرفة ليسا من مكة، أما عرفة فلأنها خارج الحرم فليست من مكة قطعا، وأما منى ففيها احتمال، والظاهر إنها ليست من مكة إلا إن قلنا إن اسم مكة يشمل جميع الحرم، قال أحمد بن حنبل: ليس لحديث أنس وجه إلا أنه حسب أيام إقامته صلى الله عليه وسلم في حجته منذ دخل مكة إلى أن خرج منها لا وجه له إلا هذا. وقال المحب الطبري: أطلق على ذلك إقامة بمكة لأن هذه المواضع مواضع النسك وهي في حكم التابع لمكة لأنها المقصود بالأصالة لا يتجه سوى ذلك كما قال الإمام أحمد والله أعلم. وزعم الطحاوي أن الشافعي لم يسبق إلى أن المسافر يصير بنية إقامته أربعة أيام مقيما، وقد قال أحمد نحو ما قال الشافعي، وهي رواية عن مالك. الشرح: قوله: (باب الصلاة بمنى) أي في أيام الرمي، ولم يذكر المصنف حكم المسألة لقوة الخلاف فيها، وخص، منى بالذكر لأنها المحل الذي وقع فيها ذلك قديما. واختلف السلف في المقيم بمنى هل يقصر أو يتم، بناء على أن القصر بها للسفر أو للنسك؟ واختار الثاني مالك، وتعقبه الطحاوي بأنه لو كان كذلك لكان أهل منى يتمون ولا قائل بذلك. وقال بعض المالكية: لو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتموا، وليس بين مكة ومنى مسافة القصر، فدل على أنهم قصروا للنسك. وأجيب بأن الترمذي روى من حديث عمران بن حصين " أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة ركعتين ويقول: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر " وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة. قلت: وهذا ضعيف، لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، ولو صح فالقصة كانت في الفتح، وقصة منى في حجة الوداع، وكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد. ولا يخفى أن أصل البحث مبني على تسليم أن المسافة التي بين مكة ومنى لا يقصر فيها، وهو من محال الخلاف كما سيأتي بعد باب. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا الشرح: قوله: (بمنى) زاد مسلم في رواية سالم عن أبيه " بمنى وغيره". قوله: (ثم أتمها) في رواية أبي أسامة عن عبيد الله عند مسلم " ثم إن عثمان صلى أربعا فكان ابن عمر إذا صلى من الإمام صلى أربعا وإذا صلى وحده صلى ركعتين " وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بمنى في " باب يقصر إذا خرج من موضعه". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَ مَا كَانَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ الشرح: قوله: (أنبأنا أبو إسحاق) كذا هو بلفظ الإنباء، وهو في عرف المتقدمين بمعنى الإخبار والتحديث وهذا منه. قوله: (سمعت حارثة بن وهب) زاد البرقاني في مستخرجه " رجلا من خزاعة " أخرجه من طريق أبي الوليد شيخ البخاري فيه. قوله: (آمن) أفعل تفضيل من الأمن. قوله: (ما كان) في رواية الكشميهني والحموي " كانت " أي حالة كونها آمن أوقاته. وفي رواية مسلم " والناس أكثر ما كانوا " قوله شاهد من حديث ابن عباس عند الترمذي وصححه النسائي بلفظ، خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله، يصلي ركعتين " قال الطيبي: ما مصدرية، ومعناه الجمع، لأن ما أضيف إليه أفعل يكون جمعا، والمعنى صلى بنا والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنا. وسيأتي في " باب الصلاة بمنى " من كتاب الحج عن آدم عن شعبة بلفظ " عن أبي إسحاق " وقال في روايته " ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه " وكلمة قط متعلقة بمحذوف تقديره ونحن ما كنا أكثر منا في ذلك الوقت ولا أكثر أمنا. وهذا يستدرك به علي ابن مالك حيث قال: استعمال قط غير مسبوقة بالنفي مما يخفى على كثير من النحويين، وقد جاء في هذا الحديث بدون النفي. وقال الكرماني: قوله " وآمنه " بالرفع ويجوز النصب بأن يكون فعلا ماضيا وفاعله الله وضمير المفعول النبي صلى الله عليه وسلم، والتقدير وآمن الله نبيه حينئذ. ولا يخفى بعد هذا الإعراب. وفيه رد على من زعم أن القصر مختص بالخوف، والذي قال ذلك تمسك بقوله تعالى وفي جواب عمر إشارة إلى القول الثاني. وروى السراج من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة وهو الحذاء لا يعرف اسمه. قال: سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال: ركعتان، فقلت إن الله عز وجل قال " إن خفتم " ونحن آمنون، فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يرجح القول الثاني أيضا. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ الشرح: قوله: (حدثنا إبراهيم) هو النخعي لا التيمي. قوله: (صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات) كان ذلك بعد رجوعه من أعمال الحج في حال إقامته بمنى للرمي كما سيأتي ذلك في رواية عباد بن عبد الله الزبير في قصة معاوية بعد بابين.قوله: (فقيل ذلك) في رواية أبي ذر والأصيلي " فقيل في ذلك". قوله: (فاسترجع) أي فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. قوله: (ومع عمر ركعتين) زاد الثوري عن الأعمش ثم تفرقت بكم الطرق، أخرجه المصنف في الحج من طريقه. قوله: (فليت حظي من أربع ركعات ركعتان) لم يقل الأصيلي ركعات، ومن للبدلية مثل قوله تعالى ويؤيده ما روى أبو داود " أن ابن مسعود صلى أربعا، فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا. فقال: الخلاف شر " وفي رواية البيهقي " إني لأكره الخلاف " ولأحمد من حديث أبي ذر مثل الأول، وهذا يدل على أنه لم يكن يعتقد أن القصر واجب كما قال الحنفية ووافقهم القاضي إسماعيل من المالكية وهي رواية عن مالك وعن أحمد. قال ابن قدامة: المشهور عن أحمد أنه على الاختيار والقصر عنده أفضل، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين، واحتج الشافعي على عدم الوجوب بأن المسافر إذا دخل في صلاة المقيم صلى أربعا باتفاقهم، ولو كان فرضه القصر لم يأتم مسافر بمقيم. وقال الطحاوي: لما كان الفرض لا بد لمن هو عليه أن يأتي به ولا يتخير في الإتيان ببعضه وكان التخيير مختصا بالتطوع دل على أن المصلي لا يتخير في الاثنتين والأربع. وتعقبه ابن بطال بأنا وجدنا واجبا يتخير بين الإتيان بجميعه أو ببعضه وهو الإقامة بمنى ا هـ. ونقل الداودي عن ابن مسعود أنه كان يرى القصر فرضا، وفيه نظر لما ذكرته، ولو كان كذلك لما تعمد ترك الفرض حيث صلى أربعا وقال إن الخلاف شر، ويظهر أثر الخلاف فيما إذا قام إلى الثالثة عمدا فصلاته عند الجمهور صحيحة، وعند الحنفية فاسدة ما لم يكن جلس للتشهد، وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بعد بابين إن شاء الله تعالى.
|